مفطرات الصيام المعاصرة
تأليف
د. أحـمد بن محمد الخليل
الأستاذ المساعد في قسم الفقه
بجامعة القصيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد ؛ فإن الله تعالى فرض على عباده صيام رمضان، وشرع لهم أن يصوموا أياماً أُخر متفرقة ندبا لاإيجاباً، ورتب على الصيام من الثواب ما تتوق له نفس المؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم:"من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" متفق عليه , وقال صلى الله عليه وسلم :"إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لايدخل منه أحد غيرهم "متفق عليه .
وقد شرع الله الصيام محدوداً بحدود شرعية، من تجاوزها أفسد صيامه أو نقَّصه، فيجب على المسلم أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله مما يتعلق بالعبادات التي فُرضت فرض عين على كل مسلم ومنها الصيام.
وقد كتبتُ هذا البحث ليعالج جانباً مهماً من جوانب الصيام، وهو "المفطرات المعاصرة"، فقد ظهر في عصرنا هذا من المفطرات المتعلقة بالجوانب الطبية ما ينبغي النظر فيه، ودراسته، للتوصل إلى القول الذي تدل عليه النصوص والقواعد الشرعية.
وقد كُتب في هذا الموضوع في مناسبات عدة لا سيما ما يتعلق بالفتاوى، فهي كثيرة ومنتشرة، وكذلك تناوله المجمع الفقهي بالبحث في دورته العاشرة، وكُتب عن بعض مباحثه في كتب تناولت أحكام الصيام ، لكني لا أعلم كتاباً أو بحثاً مستقلاً حول هذه الموضوعات، عدا ماأشرت إليه من بحوث المجمع الفقهي، أو كتب الفتاوى المعاصرة، وقد أردتُ أن أشارك في هذا الموضوع بتناول مسائله، ودراستها على ضوء نصوص الكتاب والسنة، محاولاً تأصيل هذه المسائل وإرجاعها إلى قواعدها الشرعية المتعلقة بالصيام قدر المستطاع، مع تخريج ما يمكن تخريجه من هذه المسائل على ما ذكره فقهاؤنا المتقدمون رحمهم الله .
سائلاً المولى ـ عز وجل ـ أن يهديني سواء السبيل.
المبحث الأول تعريف الصيام:
أولاً: تعريف الصيام لغة:
قال ابن فارس: "الصاد والواو والميم أصل يدل على إمساك وركود في مكان".أهـ.
وفي لسان العرب(): الصوم الإمساك عن الشيء، والترك له، ولذلك قيل للصائم صائماً لإمساكه عن الشراب والطعام والنكاح، وقيل للصامت صائماً؛ لإمساكه عن الكلام ومنه: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ﴾()
وقال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سير، فهو صائم".أهـ.
وقال البيضاوي: الصوم في اللغة الإمساك عما تنزع إليه النفس أهـ() .
ثانياً: تعريف الصيام شرعاً:
عند الأحناف: الإمساك عن أشياء مخصوصة، وهي الأكل، والشرب، والجماع، بشرائط مخصوصة() . أهـ.
وعند المالكية : الإمساك عن شهوتي الفم، والفرج، وما يقوم مقامهما، مخالفةً للهوى في طاعة المولى، في جميع أجزاء النهار، وبنية قبل الفجر، أو معه إن أمكن() .
وعند الشافعية: إمساك مخصوص، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص()
وعند الحنابلة: إمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس() .
*************************************
المبحث الثاني : تعريف المفطرات :
هي مفسدات الصيام، وقد بحثها الفقهاء وذكروا الخلاف في بعضها، ولا يتعلق ذلك بهذا البحث، إذ المراد بحث المسائل المعاصرة، وقد يذكر شيء منها لتخريج مسألة معاصرة عليها بحيث يستفاد منه الحكم الشرعي.
وقد جمعها الغزالي بقوله:
والمفطرات ثلاثة، دخول داخل، وخروج خارج، وجماع().
*************************************
المبحث الثالث : تعريف المعاصرة :
مأخوذة من العصر، وله في اللغة ثلاثة معاني ذكرها ابن فارس ().
يعنينا منها معنى واحد هو: الدهر والحين.
والمعنيان الآخران هما:
ـ ضغط الشيء حتى يتحلب.
ـ العَصَر: الملجأ إعتصر بالمكان إذا إلتجإ به.
ومن معانيه الزمن الذي ينسب إلى ملك، أو دولة، أو تطورات طبيعية، أو اجتماعية، يقال: عصر الدولة العباسية، عصر الكهرباء، عصر الذرَّة، العصر القديم، العصر المتوسط، والعصر الحديث() وهكذا.
إذاً فالمراد به في هذا البحث:
المفطرات التي ظهرت في عصرنا الحديث.
*************************************