ثانياً : المالكية : لبيان الجوف أنقل كلامهم حول الجائفة:
قال في المدونة() : " قلت: فما حَدُّ الجائفة؟ قال: ما أفضى إلى الجوف وإن مدخل إبرة".
وفي حاشية الخرشي():" الجائفة في اصطلاح الفقهاء: ما أفضى من الجراحات إلى الجوف، ولا يكون إلا في الظهر, أو البطن"
و يفرقون بين المعدة والجوف:
قال بعض المالكية:"تجب الكفارة في إفساد صوم رمضان انتهاكا له بما يصل إلى الجوف أو المعدة من الفم"() .
أما الحلق فيحصل الفطر بوصول المائع إليه وإن لم يجاوزه على الصحيح من مذهب المالكية() .
أما الدماغ فهناك اختلاف في اشتراط وصول الداخل إليه إلى الجوف:
قال الخرشي:"واستنشاق قدر الطعام بمثابة البخور ; لأن ريح الطعام له جسم يتقوى به الدماغ، فيحصل به ما يحصل بالأكل" .
فهذا يدل على أن الدماغ نفسه يتقوى.
وجاء في الشرح الكبير مع حاشيته: وأما من دهن رأسه نهارا ووجد طعمه في حلقه , أو وضع حناء في رأسه نهارا فاستطعمها في حلقه , فالمعروف من المذهب وجوب القضاء"() .
فهذا يدل على أنه لابد أن يصل إلى الحلق.
أما المنافذ الأخرى كالإحليل وفرج المرأة فيعللونها بالوصول إلى الجوف().
والخلاصة أن المالكية يرون أن الجوف هو كل البطن وليس فقط المعدة.
ويفطرون بمجرد الوصول إلى الحلق ولو لم ينزل.
واختلفوا في الدماغ، أما باقي المنافذ فلابد من وصول الداخل منها إلى الجوف
ثالثاً : الشافعية : وهم أوسع المذاهب في مدلول الجوف :
فقد ذكر في الغرر البهية أنه يشترط لصحة الصوم عدم " دخول ( عين ) من الظاهر وإن لم تؤكل عادة كحصاة (جوفا له) لخبر البيهقي بإسناد حسن أو صحيح، عن ابن عباس قال: إنما الفطر مما دخل وليس مما خرج() أي الأصل ذلك. (ولو) كان الجوف (سوى محيل) للغذاء, أو الدواء (كباطن الأذن) وإن كان لا منفذ منه إلى الدماغ; لأنه نافذ إلى داخل قحف الرأس, وهو جوف (أو) باطن (الإحليل) وإن لم يجاوز الداخل فيه الحشفة، كما يبطل بالواصل إلى حلقه وإن لم يصل إلى معدته , والمحيل كباطن الدماغ , والبطن , والأمعاء , والمثانة "()
وإذ تأملت في هذا النص تبين لك ما يلي :
1ـ أن الجوف يقصد به عندهم كل مجوف كباطن الإذن، وداخل قحف الرأس، وباطن الإحليل، وإن لم يصل الداخل إليها إلى المعدة.
2ـ وصول الداخل إلى الحلق يبطل الصوم وإن لم يصل إلى المعدة.
بل ذهب الشافعية إلى أكثر من ذلك، فإن الصائم يفطر عندهم إذا وصل الداخل إلى باطن الفم ـ وحَدُّه مخرج الحاء، أو الخاء، فما بعده باطن ـ :
قال في تحفة المحتاج:"(وإن غلبه القيء فلا بأس) للخبر (وكذا) لا يفطر (لو اقتلع نخامة) من الدماغ أو الباطن (ولفظها) أي: رماها (في الأصح); لأن الحاجة لذلك تتكرر، فرخص فيه، لكن يسن قضاء يوم، ككل ما في الفطر به خلاف يراعى كما هو ظاهر، أما إذا لم يقتلعها بأن نزلت من محلها من الباطن إليه، أو قلعها بسعال، أو غيره، فلفظها فإنه لا يفطر قطعا، وأما لو ابتلعها مع قدرته على لفظها بعد وصولها لحد الظاهر فإنه يفطر قطعا (فلو نزلت من دماغه وحصلت في حد الظاهر من الفم ) وهو مخرج الحاء المهملة فما بعده باطن() (فليقطعها من مجراها وليمجها) إن أمكنه، حتى لا يصل منها شيء للباطن (فإن تركها مع القدرة)على لفظها(فوصلت الجوف)يعني: جاوزت الحد المذكور (أفطر في الأصح) لتقصيره"()
تنبيه: تبين مما نقلته عن الغرر البهية أن الشافعية لا يشترطون أن يكون الجوف محيلاً للغذاء وهذا هو المشهور عند الشافعية، وهناك وجه عندهم أن يشترط في الجوف أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء، وهذا هو الذي أخذ به الغزالي في الوجيز() .