ما يدخل إلى الجسم عن طريق المهبل
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الغسول المهبلي (دوش مهبلي).
يعرف حكم هذه المسألة بمعرفة حكم دخول شيء للمهبل عند الفقهاء المتقدمين،وقد اختلفوا على قولين:
القول الأول: ذهب المالكية، والحنابلة، إلى أن المرأة إذا قطرت في قبلها مائعاً لا تفطر بذلك().
الأدلة :
1ـ أن فرج المرأة ليس متصلاً بالجوف.
2ـ أن مسلك الذكر من فرج المرأة في حكم الظاهر.
القول الثاني: ذهب الأحناف، والشافعية، إلى أن دخول المائع إلى قبل المرأة يفطر().
الدليل: أن لمثانتها منفذاً يصل إلى الجوف، كالإقطار في الأذن.
القول المختار: بنى الأحناف والشافعية قولهم بالتفطير على وصول المائع إلى الجوف عن طريق قبل المرأة، كما علل به في بدائع الصنائع، وهو أمر مخالف لما ثبت في الطب الحديث، حيث دل على أنه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين جوفها، ولذلك فليس هناك في الحقيقة ما يوجب التفطير، حتى على مذهب الأحناف والشافعية، إنطلاقاً من تعليلهم.
فالقول الأقرب هو عدم التفطير بالغسول المهبلي مطلقاً، وليس في النصوص ما يدل على التفطير، كل ما جاء في النصوص فيما يتعلق بالمهبل من المفطرات هو الجماع، ولا علاقة له لا شرعاً، ولا لغةً، ولا عرفاً بالغسول المهبلي.
المسألة الثانية: وتشمل ما يلي:
التحاميل ( اللبوس)، المنظار المهبلي، أصبع الفحص الطبي.
والكلام فيها كالكلام في المسألة السابقة تماماً، حكماً وتعليلاً.
***********************************************المبحث السادس
ما يدخل إلى الجسم عن طريق فتحة الشرج
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الحقنة الشرجية.
وقد بحث الفقهاء المتقدمون الحقنة الشرجية واختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: ذهب الأئمة الأربعة إلى أن الحقنة الشرجية تفطر الصائم.
الأدلة:
1ـ لأنه يصل إلى الجوف.
2ـ ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل.
3ـ القياس على الاستعاط فإذا أبطل الصيام بما يصل إلى الدماغ فما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى().
القول الثاني: أن الحقنة الشرجية لا تفطر، وهو قول لبعض المالكية، ومذهب الظاهرية، واختاره شيخ الإسلام ().
الدليل:
1ـ أن الحقنة لا تغذي بوجه من الوجوه، بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شم شيئاً من المسهلات، أو فزع فزعاً أوجب استطلاقه.
2ـ أن هذا المائع لا يصل إلى المعدة، ولا إلى موضع يتصرف منه ما يغذي الجسم.
واختلف المعاصرون في هذه المسألة اختلافاً مبنياً على الخلاف السابق، فمنهم من رأى أنها تفطر، ومنهم من رأى عدم التفطير فيها().
القول المختار: إذا نظرنا إلى فتحة الشرج ( الدبر ) فسنجد أنها متصلة بالمستقيم ، والمستقيم متصل بالقولون (الأمعاء الغليظة)، وامتصاص الغذاء يتم معظمه في الأمعاء الدقيقة، وقد يمتص في الأمعاء الغليظة الماء وقليل من الأملاح والغلوكوز() .
فإذا ثبت طبياً أن الغليظة تمتص الماء وغيره، فإنه إذا حقنت الأمعاء بمواد غذائية، أو ماء، يمكن أن يمتص، فإن الحقنة هنا تكون مفطرة؛ لأن هذا في الحقيقة بمعنى الأكل والشرب، إذ خلاصة الأكل والشرب هو ما يمتص في الأمعاء.
أما إذا حقنت الأمعاء بدواء ليس فيه غذاء، ولا ماء، فليس هناك ما يدل على التفطير. والأصل صحة الصيام حتى يقوم دليل على إفساد الصوم، وليس هنا ما يدل على الإفساد.
واختار هذا التفصيل من المعاصرين شيخنا محمد العثيمين()، ود. فضل حسن عباس().
ومن هنا نعلم أن أصحاب القول الثاني لو علموا أن الحقنة الشرجية يمكن أن تغذي، بأن يمتص الأمعاء منها الماء، أو الغذاء، وينتفع به الجسم انتفاعه بالطعام والشراب، لذهبوا ـ فيما أظن ـ إلى القول بالتفطير.
المسألة الثانية:التحاميل (اللبوس) :
تستعمل التحاميل لعدة أغراض طبية، كتخفيف آلام البواسير، أو خفض درجة الحرارة، أو غيرها، وحكمها عند الفقهاء كحكم المسألة السابقة، إلا أن المالكية لا يرون أنها تفطر، فقد قال الزرقاني:
"والفتائل لا تفطر ولو كان عليها دهن"().
وقد اختلف المعاصرون فيها كما يلي:
القول الأول: أنها لا تفطر، قال به شيخنا محمد بن عثيمين()، والشيخ محمود شلتوت() ، ود.محمد الألفي().
الأدلة :
1ـ أن التحاميل تحتوي على مادة دوائية، وليس فيها سوائل().
2ـ أنها ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل والشرب().
3ـ أن التحاميل ليست بأكل في صورته، ولا معناه، ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب().
القول الثاني: أنها مفطرة، وقال به الشيخ حسن أيوب()، وعبد الحميد طهماز()، ومحي الدين مستو().
الأدلة :
1ـ استدلوا بما ذكره الفقهاء، من أن كل ما يدخل الجوف فهو مفطر، واعتبروا الأمعاء من الجوف.
المناقشة: يجاب عن هذا الدليل بما سبق أن الجوف هو المعدة فقط، أما الأمعاء فلا يفطر ما دخل فيه، إلا إذا كان مما يمكن امتصاصه من الغذاء والماء، والتحاميل ليست كذلك.
2ـ أن فيها صلاح بدنه() .
المناقشة: أن الله لم يجعل ما فيه صلاح البدن مفسداً للصوم، إنما ذكر الطعام والشراب فقط، وإصلاح البدن يحصل بأشياء كثيرة، وهي مع ذلك غير مفطرة.
القول المختار: الذي يظهر أنها لا تفطر، لعدم وجود دليل شرعي يعتمد عليه في إفساد صيام مستعمل التحاميل، وأدلة أصحاب القول الأول وجيهة فيما ظهر لي والله أعلم.
المسألة الثالثة: المنظار الشرجي وأصبع الفحص الطبي.
قد يدخل الطبيب المنظار من فتحة الشرج، ليكشف على الأمعاء أو غيرها.
وقد سبق الكلام على منظار المعدة، وما ذكره الفقهاء فيه، وهو ينطبق على المنظار الشرجي، وأصبع الفحص الطبي.
إلا أن القول بعدم التفطير في المنظار الشرجي، وأصبع الفحص الطبي، أولى وأقوى، لما سبق تقريره من أن الجوف هو المعدة، أو ما يوصل إليها، وليس كل تجويف في البدن يعتبر جوفاً، فعلى هذا يكون المنظار الشرجي والإصبع أبعد أن يفطر من منظار المعدة