ما يدخل إلى الجسم عن طريق مجرى البول
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة.
بحث الفقهاء المتقدمون مسألة: إذا أدخل إحليله مائعاً أو دهناً، واختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: أن التقطير في الإحليل لا يفطر، وهو مذهب الأحناف، والمالكية، والحنابلة()
الدليل : لأنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ().
القول الثاني: أنه يفطر، قال به أبو يوسف وقيده بوصوله إلى المثانة، وهو الصحيح عند الشافعية().
الدليل() :
1ـ أن بين المثانة والجوف منفذاً.
المناقشة : علم التشريح الحديث وضح أنه ليس بين المثانة والمعدة منفذ .
2ـ لأنه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه، فتعلق بالواصل إليه كالفم.
المناقشة : قياسه على الفم قياس مع الفارق، فإن ما يوضع في الفم يصل إلى المعدة ويغذي ، بخلاف ما يوضع في مسالك البول.
القول المختار: ظهر جلياً من خلال علم التشريح الحديث أنه لا علاقة مطلقاً بين مسالك البول والجهاز الهضمي، وأن الجسم لا يمكن أن يتغذى مطلقاً بما يدخل إلى مسالك البول.
بناءً على ذلك فإن قول جمهور الفقهاء في هذه المسألة هو الصواب إن شاء الله.
وعليه فإن إدخال هذه الوسائل المعاصرة في الإحليل لا يفسد الصيام، لعدم وجود المقتضي لذلك، والأصل صحة الصيام().
*************************************الفصل الثاني
المفطرات المعاصرة الخارجة من بدن الصائم:
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التبرع بالدم :
بحث الفقهاء المتقدمون مسألة الحجامة من حيث التفطير بها، وعدمه، وهي تشبه تماماً التبرع بالدم، ففي كل منهما إخراج للدم، وإن كان الهدف من التبرع إعانة، الآخرين، والهدف من الحجامة التداوي، ولكن لا أثر للمقصود منهما على مسألة التفطير في الصيام.
وقد اختلف الفقهاء في الحجامة على قولين:
القول الأول: أن الحجامة تفطر وتفسد الصوم، وهو مذهب الحنابلة، وإسحاق، وابن المنذر، وأكثر فقهاء الحديث()، واختاره شيخ الإسلام().
دليلهم:
1ـ قوله r :(( أفطر الحاجم والمحجوم))() .
القول الثاني: أن الحجامة لا تفطر، وهو مذهب الجمهور من السلف والخلف().
الأدلة :
1ـ حديث ابن عباس (( احتجم رسول الله r وهو صائم))()، وفي لفظ عند الترمذي ((احتجم وهو صائم محرم)) قالوا وهو ناسخ لحديث (( أفطر الحاجم والمحجوم)).
وجه كونه ناسخاً: أنه جاء في حديث شداد بن أوس() أنه r مر عام الفتح على رجل يحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال:(( أفطر الحاجم والمحجوج))، وابن عباس شهد معه حجة الوداع، وشهد حجامته يومئذ وهو محرم صائم، فإذا كانت حجامته عليه السلام عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة؛ لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان، حيث توفي r في ربيع الأول().
الجواب: أن حديث (( أفطر الحاجم..)) هو الناسخ لحديث ابن عباس.
لأن احتجامه وهو محرم صائم ليس فيه إنه كان بعد شهر رمضان الذي قال فيه ((أفطر الحاجم والمحجوم)) فقد أحرم صلى الله عليه وسلم عدة إحرامات، فاحتجامه وهو صائم لم يبين في أي الإحرامات كان، ثم لم يذكر في الحديث أنه لما احتجم لم يفطر، فليس في الحديث ما يدل على هذا، وذلك الصوم لم يكن في شهر رمضان، فإنه لم يحرم في رمضان، وإنما كان في سفر والصوم في سفر لم يكن واجباً، بل كان آخر الأمرين منه الفطر في السفر، فقد أفطر عام الفتح لما بلغ كديد، ولم يعلم بعد هذا أنه صام في السفر، فهذا مما يقوي أن إحرامه الذي احتجم فيه كان قبل فتح مكة، وحديث ((أفطر الحاجم..)) كان في فتح مكة كما سبق.
وأيضاً إذا تعارض خبران، أحدهما ناقل عن الأصل والآخر مبق على الأصل، كان الناقل هو الذي ينبغي أن يجعل ناسخاً؛ لئلا يلزم تغيير الحكم مرتين().
مناقشة الجواب: ما قرره شيخ الإسلام متين كما ترى، ولكن يشكل عليه ما يلي:
اعتمد في كلامه على كونه احتجم صائماً محرماً، واللفظ الصحيح للحديث احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، وهو لفظ البخاري، وأما لفظ احتجم وهو صائم محرم فهو لفظ الترمذي، وقد استظهر الحافظ أنها خطأ من بعض الرواة، وأن الصواب وقوع كل منهما في حالة مستقلة().
2ـ حديث أبي سعيد الخدري (( رخص رسول الله r للصائم في الحجامة))().
3ـ حديث أنس بن مالك أول ما كرهنا الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ((ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم)) ().
المناقشة: أنه حديث غير محفوظ().
4ـ حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا، إلا من أجل الضعف"().
القول المختار: في هذه المسألة إشكال، لكن الذي يظهر رجحان مذهب أكثر السلف، وهو عدم التفطير؛ للأحاديث المتكاثرة المصرحة بلفظ الترخيص، وهو يكون بعد المنع، قال ابن حزم ولفظة "أرخص" لا تكون إلا بعد النهي، فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول"() أهـ.
وإن كان الأحتياط في مسألة الحجامة متوجهاً جداً؛ لقوة ما قاله شيخ الإسلام: من أن الناقل هو الذي ينبغي أن يجعل ناسخاً دون المبقي على الأصل؛ لئلا يلزم تغير الحكم مرتين.
والخلاصة: أن التبرع بالدم يقاس على مسألة الحجامة، والذي تدل عليه الأدلة أن الحجامة لا تفطر. فكذلك التبرع بالدم.
المبحث الثاني
أخذ الدم للتحليل ونحوه
ليس هناك دليل على إفساد الصوم بأخذ القليل من الدم، فهو ليس بمعنى الحجامة، فإن الأحاديث السابقة في الحجامة صرحت أن علة التفطير بالحجامة الضعف الذي ينتج عنها، وهذا المعنى ليس موجوداً في أخذ الدم القليل.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
أهم نتائج البحث
1ـ موضوع البحث المفطرات التي ظهرت في عصرنا الحديث.
2ـ الأقرب من حيث الدليل أن الجوف الذي يفطر الصائم بدخول الطعام إليه هو المعدة فقط، دون التجاويف الأخرى في البدن.
3ـ اختلف المعاصرون في (بخاخ الربو) والأقرب أنه لا يفطر.
4ـ الأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج الأزمات القلبية تمتص مباشرة، ولا تدخل إلى الجوف، فهي لا تفطر.
5ـ اختلف أهل العلم هل يفطر الصائم بدخول غير المغذي إلى الجوف، أو لا يحصل الفطر إلا بالمغذي، والأقرب أنه لا يفطر إلا بالمغذي فقط.
6ـ اختلف المعاصرون في المنظار المعدة، والأقرب أنه لا يفطر؛ لأسباب ذُكرت في البحث.
7ـ اختلف المعاصرون في قطرة الأنف، فذهب الأكثر إلى أنها تفطر، وذهب بعض الفقهاء إلى أنها لا تفطر، والذي يظهر لي أنها لا تفطر.
8ـ غاز الأكسجين لا يفطر، فهو هواء لا يحتوي على أي مادة تسبب الفطر.
9ـ بخاخ الأنف له حكم بخاخ الفم نفسه.
10ـ إذا كان التخدير موضعياً فلا يفطر، أما إذا كان كلياً أي أن المريض يفقد وعيه تماماً، فهذا إذا كان طوال اليوم فهو مفطر، أما إذا استيقظ المريض في أي جزءٍ من النهار فلا يفطر.
11ـ قطرة الأذن لا تفطر لعدم وجود منفذ بين الأذن والجوف.
12ـ ذهب أكثر أهل العلم إلى أن قطرة العين لا تفطر، وذهب بعض الفقهاء إلى أنها تفطر، والأقرب ـ والله أعلم ـ ما ذهب إليه الأكثر أنها لا تفطر.
13ـ الحقنة العلاجية الجلدية، أو العضلية، أو الوريدية لا تفطر عند الجماهير من الفقهاء المعاصرين، وهو الصواب إن شاء الله.
14ـ الحقنة الوريدية المغذية تفطر عند أكثر أهل العلم، وهو الصواب إن شاء الله.
15ـ الدهانات، والمراهم، واللصقات العلاجية، لا تفطر.
16ـ قسطرة الشرايين لا تفطر، وهي أولى بعدم التفطير من الإبر العلاجية والوريدية.
17ـ منظار البطن لا يصل إلى المعدة، فهو لا يفطر.
18ـ الغسيل الكلوي يصاحبه غالباً مواد مغذية، أوسكرية، فهو على هذا مفطر.
19ـ الغسول المهبلي لا يفطر، فهو لا يصل مطلقاً إلى المعدة، وليس فيه ما يسبب الفطر.
20ـ والكلام السابق ينطبق على تحاميل المهبل (اللبوس)، والمنظار المهبلي، وأصبع الفحص الطبي.
21ـ حقنة الشرج إذا كان فيها ماء، أو مواد مغذية، تمتصها الأمعاء، فهي مفطرة، لتقوي الجسم بهذه المواد التي تمتصها الأمعاء.
22ـ تحاميل الشرج لا تفطر، لأنها ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعناهما، ولا تصل إلى الجوف.
23ـ المنظار الشرجي لا يفطر، فهو لا يصل إلى المعدة، ولا يحصل للجسم به تقوي، ولا تغذي.
24ـ إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة لا يفطر؛ إذ لا يوجد منفذ بين مسالك البول والمعدة.
25ـ التبرع بالدم يقاس على الحجامة، وفيها خلاف قوي بين أهل العلم، والأقرب من حيث الدليل عدم التفطير بالحجامة، وعليه فالتبرع بالدم لا يفطر.
26ـ سحب الدم القليل للتحليل لا يفطر؛ لعدم وجود ما يقتضي الفطر.
والله أعلم