فلسطين عبر العصور
لاجئــون.. إلى متى؟!
المحتويات
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان
بيروت - هشام عليوان عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من الألغاز المُحيِّرة؛ إذ لا توجد أرقام نهائية لدى الجهات المختلفة؛ سواء أكانت الدولة اللبنانية أم المنظمات الدولية أم منظمة التحرير الفلسطينية. والإحصاءات تقريبية أو هي أقرب إلى التكهّنات، مع عدم نفي احتمال أن يتوفَّر لدى الجهات المعنية إحصاء صحيح، لكنه ليس موضوعًا للتداول لأسباب سياسية معروفة.
ووضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مختلف عن سائر البلدان العربية المضيفة. والداعي إلى الاختلاف أن لبنان بلد هش من حيث التركيب السكاني، حيث تلعب التوازنات الطائفية الدقيقة دورًا بالغ الأهمية في الحياة السياسية العامة. وليس بمستغرب ألا توجد إحصاءات دقيقة ودورية لعدد اللاجئين الفلسطينيين، رغم أن أعدادهم المتزايدة بحكم التوالد الطبيعي، واحتمالات التوطين والتجنيس بحكم الضغوط الدولية، والرفض الإسرائيلي المطلق لحق العودة: تثير المخاوف الجمة لدى المسيحيين خاصة، ذلك أن الإحصاء السكاني غير موجود أيضًا بالنسبة للبنانيين. وآخر إحصاء رسمي جرى في ظل الانتداب الفرنسي عام 1933 ولم يتكرر بعد ذلك أبدًا ولا حتى بعد الاستقلال عام 1943. ويعتقد على نطاق واسع أن عدد المسلمين يتخطَّى عدد المسيحيين بنسبة معتبرة، وأن إهمال الإحصاء الجدي يعود لأسباب سياسية.
وقد كان المسيحيون يدعون إلى إحصاء المغتربين اللبنانيين المسيحيين بغالبيتهم كلما دعا المسلمون إلى إحصاء سكاني حقيقي للسكان المُقيمين، ولما كانت الآراء متضاربة بهذا الشأن، فلا إحصاءات في لبنان حتى إشعار آخر، ولما كان التوازن السكاني الطائفي يرتدي هذا القدر من الحساسية فقد كان الوجود الفلسطيني في لبنان من العوامل الأساسية التي فجّرت الحرب الأهلية عام 1975، فلعل ظهور منظمة التحرير الفلسطينية وتحويل المخيمات في لبنان إلى قواعد عسكرية مدججة بالسلاح لوح للمسيحيين أن التوازن بينهم وبين المسلمين قد اختل وساد لفترة الشعار القائل: "الفلسطينيون جيش المسلمين اللبنانيين".
وليس المسيحيون المعارضين الوحيدين وبشدة لأي إخلال بالمعادلة السكانية لصالح المسلمين، بل ظهرت لدى المسلمين الشيعة مخاوف مشابهة لأن معظم الاجئين الفلسطينين من السنة، وخاضت حركة "أمل" التي يترأسها "نبيه بري" -الرئيس الحالي لمجلس النوّاب- حربًا شرسة ضد مخيَّمات بيروت والجنوب ما بين عامي 1985 و1987، وذلك لمنع عودة منظمة التحرير إلى المخيمات، وكانت قد خرجت من لبنان إثر الاجتياح الإسـرائيلي عــام 1982. عدد الفلسطينيين في لبنان وقبل إيراد الأرقام المتوفرة حول عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ينبغي الانتباه إلى المُحددات التالية:
هناك فلسطينيون مسجَّلون لدى وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، وهناك فلسطينيون غير مسجَّلين.
احتلت إسرائيل أكثر من عشرين قرية ومزرعة لبنانية قبل عام 1949، وأصبحت الآن خارج الحدود الدولية، أي داخل الكيان الفلسطيني المحتل حاليًا، وقد هجّرت إسرائيل السكان، ويقدر عددهم بحوالي 15 ألفًا في ذلك الحين، ولا تختلف أوضاعهم البائسة عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وقد سعى بعضهم لتسجيل أسمائهم لدى الأونروا كلاجئين فلسطينيين للحصول على المساعدات المقررة، ويعني ذلك أن بعض المسجلين ليسوا فلسطينيين بالمعنى الحقوقي للكلمة، وقد نال قسم كبير منهم جنسيات لبنانية على هذا الاعتبار، بحسب مرسوم عام 1994، وأثارت القضية لغطًا، خصوصًا لدى المسيحيين الذين اعترضوا على ذلك، وكان اعتراضهم المبدئي سببًا لحرمان آلاف اللبنانيين من جنسيتهم الوطنية.
عدد كبير من المسجلين لدى الأونروا هاجروا إلى خارج لبنان بسبب الضائقة الاقتصادية والمضايقات الرسمية والحروب المتعاقبة، وقد اشتدت الهجرة بعد عام 1982 أي بعد خروج منظمة التحرير من لبنان.
كثير من المتوفين لم يشطبوا من سجلات الأونروا منذ السبعينيات.
أكثر من خمسين ألف فلسطيني مسيحي جُنسوا بالجنسية اللبنانية في السبعينيات طبقًا للسياسة المعتمدة آنذاك لتكثير عدد المسيحيين مقابل الأعداد المتزايدة للمسلمين.
ما بين 20 و30 ألف فلسطيني شُطبت أسماؤهم كلاجئين فلسطينيين من قبل الدولة اللبنانية؛ لأنهم يحملون جنسيات أخرى.
وبسبب المعطيات المُثيرة للجدل الآنفة الذكر تتضارب المعلومات حول العدد الحقيقي للفلسطينيين الذين ما زالوا يتمسَّكون بكيانهم المعنوي، ولم يندمجوا فعلاً في المجتمع المحلي أو في المُغتربات.
وحسب وكالة غوث -الأونروا-.. يُشكِّل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حوالي 10.46% من مجمل عدد اللاجئين خارج فلسطين وداخلها، ويقدر عددهم حتى عام 1997 بنحو 360579 شخصًا، يتوزعون على 12 مخيمًا رسميًّا في حين أن 20% من اللاجئين يقيمون في 13 تجمعًا غير رسمي، ولا تقدم لهم الأونروا الخدمات بشكل مباشر بحسب تقدير المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان.
والمخيمات الرسمية هي: مارإلياس- بيروت، وبرج البراجنة، وضبية، وشاتيلا وصبرا، ومحافظة جبل لبنان، وعين الحلوة، والمية، والمية-صيدا، والبص، والرشيدية، وبرج الشمالي-صور، ونهر البارد، والبداوي-طرابلس، ونعيل-البقاع.
وتتفاوت الأرقام المتداولة حول عدد اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يثير الريبة أكثر مما يثير الدهشة، فبحسب إحصاء 30 يونيو 1998 عبر وكالة غوث للاجئين (الأونروا) يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في قيودها حوالي 360 ألف نسمة ، في حين أن "سلطان أبو العينين" -أمين سر قيادة منظمة التحرير وحركة فتح في لبنان- صرَّح أن هناك 425 ألف فلسطيني مسجَّل في الأونروا، وهم ممن يقيمون في لبنان أو حصلوا على الجنسية اللبنانية أو على جنسيات أخرى، أما الذين ما زالوا يحتفظون بهويتهم الفلسطينية فقط فعددهم لا يزيد عن 325 ألفًا.
من جهة أخرى يؤكِّد الوزير السابق للداخلية في لبنان "بشارة مرهج" أن عدد الفلسطينيين في لبنان لا يتجاوز 250 ألفًا مع الإشارة هنا إلى وجود فوارق ظاهرة في الأرقام بين الأعداد الموجودة فعلاً وبين الأعداد المسجَّلة، وبين إحصاءات الدولة اللبنانية والأمم المتحدة والجهات الفلسطينية المختلفة.
والوزير السابق متَّهم من قبل المجنسين بتجنيس آلاف الفلسطينيين من خلال مرسوم التجنيس الشهير عام 1994 والذي أثار ضجة واسعة في الأوساط المسيحية الدينية والسياسية على حد سواء، في حين أن "مرهج" ينفي نفيًّا قاطعًا أن يكون قد منح الجنسية لأي فلسطيني، على أن الإشكالية تقع على سكان القرى اللبنانية المحتلة منذ عام 1948 وهي القضية المعروفة باسم "القرى السبع". وقد اقتطعت إسرائيل هذه القرى، وهجّرت سكانها قبل توقيع الهدنة مع لبنان عام 1949، وقد جرى ترسيم الحدود مع إسرائيل بالتاريخ عينه، فصارت تلك القرى خارج الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًّا.
ويتمسك الساسة المسيحيون بالوقائع المستجدة بدلاً من المطالبة بتحرير تلك القرى، وذلك خوفًا على التوازن الديمغرافي بينهم وبين المسلمين، علمًا بأن المواطنين اللبنانيين من تلك القرى بقوا قرابة نصف قرن بدون هوية لبنانية، واضطروا في أحيان كثيرة لتسجيل أسمائهم في قيود الأونروا للحصول على مساعدات ضرورية كانت الدولة اللبنانية لا تمنحهم إياها!.
الموقف اللبناني من التوطين لا خلاف على رفض التوطين بين الأحزاب اللبنانية والتيارات السياسية، وإن من منطلقات مختلفة، وقد تحوَّل هذا الإجماع حول هذا الموضوع إلى نص دستوري حيث ورد في مقدمة الدستور بعد التعديلات عليه إثر اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية.
لكن يمكن التمييز بين مراتب الرفض، فهو أشد لدى الطوائف المسيحية، وهو أوضح لدى المسلمين الشيعة، بينما هناك أصوات بين الأوساط السنية الإسلامية ترى الأمر بمنظور شرعي بحت حيث لا يجوز التمييز بين مسلم وآخر فيما يتعلق بحق السكن واتخاذ الوطن
المراحل التي مرَّت بها وضعية الفلسطينيين في لبنان
مرّ الفلسطينيون بمراحل مختلفة من المستويات المعيشية تبعًا للأحوال السياسية، ويمكن تحديدها بأربع مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: من عام 1948 إلى 1969.
كانت المخيمات تخضع لقيود احترازية مشدَّدة، فكان يمنع على اللاجئين الانتقال من مخيم إلى آخر دون ترخيص، وكان محظورًا على أي مخيم التمدد خارج الإطار المكاني المحدد له. كما كان من المحظور بناء طابق ثانٍ فضلاً عن أن يكون سقف البيت من الأسمنت أو الحجارة، وبمقابل ذلك كانت خدمات الأونروا التعليمية والصحية أوفر بكثير مما هي عليه الآن.
المرحلة الثانية: من عام 1969 إلى 1982
وهي فترة صعود العمل المسلح الفلسطيني واكتسابه الرعاية العربية واللبنانية بعد التوقيع على اتفاق القاهرة عام 1969 الذي نظّم عمل الفدائيين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وفي هذه المرحلة خاصة عاش الفلسطينيون فترة ذهبية، حيث تدفَّقت الأموال على منظمة التحرير التي نالت الاعتراف العربي أولاً، فتحسَّنت الأوضاع المعيشية، وقامت المؤسسات الاجتماعية، وانخرط عدد كبير من الشباب في المنظمات الفلسطينية المختلفة مما وفَّر للأسر الفلسطينية مورد العيش المتوسط، حتى إن كثيرًا من اللبنانيين الفقراء ومتوسطي الحال استفادوا من حال البحبوحة النسبية التي عاشتها المخيمات آنذاك.
لقد خفَّف ظهور المنظمات المسلحة القيود على عمل وحركة الفلسطينيين في المخيَّمات وخارجها، فلم تعد الأنظمة والقوانين تُطبق حرفيًّا، وقد حدث انفجار سكاني في المخيَّمات، فتمددت إلى الخارج والمناطق المحدَّدة لها، إلى أن صار الفلسطينيون يقيمون أمنهم الذاتي ويقيمون الحواجز ويدققون في هويات المارة، وخصوصًا بعد الغارة الإسرائيلية على بيروت عام 1973 حين قام كوماندوز إسرائيلي بقتل بعض قادة المنظمة، ونشبت أزمة سياسية حادة بين رئيس الجمهورية اللبنانية "سليمان فرنجة" ورئيس الحكومة "صائب سلام" حول المسؤولية عن الثغرة الأمنية، وفي ذلك الحين سُمح للفلسطينيين بإقامة أمنهم الذاتي، وتلك الخطوة الخطيرة أثارت حنق المسيحيين الذين انتظموا أيضًا في ميليشيات مسلحة، وقامت الحرب الأهلية اللبنانية كما هو معروف عام 1975 على خلفية إطلاق النار على "باص" فلسطيني في منطقة عين الرمانة المسيحية.
المرحلة الثالثة: من عام (1982) إلى عام (1993)
في صيف 1982 شنّ الجيش الإسرائيلي حربًا شاملة على منظمة التحرير الفلسطينية، فتعرَّضت المخيَّمات للتدمير الشديد، وسقط آلاف الشهداء من المدنيين والعسكريين على حد سواء، وانتهى حصار بيروت باتفاق رعاة الوسيط الأميركي اللبناني الأصل "فيليب حبيب" أدّى إلى خروج المسلحين الفلسطينيين من لبنان، وتُركت المخيمات الفلسطينية في عهدة الدولة اللبنانية، لكن اغتيال الرئيس المنتخب "بشير الجميل" دفع الإسرائيليين إلى اقتحام بيروت، وأمنت الغطاء للميليشيات اللبنانية المسيحية بارتكاب مجزرة في صبرا وشاتيلا، وخضعت المخيمات إجمالاً لإرهاب تلك الميليشيات قبل أن تُحكِم الدولة سيطرتها مجددًا عليها لفترة لم تطل؛ إذ قامت انتفاضة السادس من فبراير 1984 في المناطق الغربية من بيروت، وكانت نتيجتها خروج المناطق الإسلامية من بيروت، والجنوب والشمال والجبل عن سلطة الدولة التي كانت خاضعة للقرار المسيحي.
وحاولت المخيَّمات الفلسطينية الاستفادة من هذه الأجواء للخروج مجددًا إلى دائرة الضوء، لكن الحركة التصحيحية التي خاضها العقيد "أبو موسى" ضد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية "ياسر عرفات" أدت إلى انقسام الشارع الفلسطيني في المخيمات واندلاع معارك عنيفة.
كذلك تصدَّت حركة "أمل" الشيعية في ذلك الوقت للمخيمات الفلسطينية، وقامت خلال السنوات 1985- 1989 بمحاصرة مخيَّمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، فضلاً عن مخيَّمات الجنوب تحت شعار "منع الفلسطينيين" من العودة إلى عام 1982، وأدَّت المعارك بين حركة "أمل" والمخيَّمات إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، وتدمير المخيَّمات، مما ساهم في زيادة البؤس الفلسطيني.
المرحلة الرابعة: ابتداءً من 1993 حتى الآن
في سبتمبر 1993 وقّعت منظمة التحرير وإسرائيل اتفاق "أوسلو"، فانعكس ذلك فورًا على الخدمات التي يتلقاها عادة اللاجئون الفلسطينيون في لبنان فتدهورت تدريجيًا.
وبما أن اتفاقات "أوسلو" تنصّ على فترة انتقالية من الحكم الذاتي تمتدّ لخمس سنوات قبل الاتفاق على الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة فقد أعلنت الأونروا أن الفترة الانتقالية تسمح لها بالإعداد لتصفية أعمالها في عام 1999، وبما أن مفاوضات الوضع النهائي تشمل قضية اللاجئين وإيجاد حلول لها، لكن الأونروا ما لبثت أن تراجعت بعد ضغوط شديدة مورست عليها في اجتماع عمان في مارس 1995، وذلك للاستمرار بتقديم الخدمات حتى التوصل إلى حل سياسي لقضية اللاجئين، وأنه لا يمكن التنبؤ بحصول ذلك خلال سنوات خمس، ورغم ذلك أبقت الأونروا على خططها، وذلك وفق محاور ثلاثة:
1 - منع التعاقد مع الموظفين الجدد إلا في حدود سقف عام 1999.
2 - بدء مراكمة تعويضات الموظفين الحاليين.
3 - التركيز على توسيع المشاريع والخدمات في غزة والضفة على حساب المناطق الأخرى بهدف دعم سلطة الحكم الذاتي.
وهكذا ركَّزت الأونروا على توفير المبالغ الممكنة لتلبية المشاريع المُقترحة، خصوصًا من لجنة الدول المتعددة لدعم غزة والضفة الغربية. وتزعم الأونروا أن مقاطعة لبنان وسوريا للمفاوضات المتعددة الأطراف قد حرمت المخيمات في هذين البلدين من مشاريعها. وتعترف الأونروا أن أموال موازنة النفقات المعتادة انحسرت بسبب العجز المالي ابتداء من عام 1993، وهو ما أدَّى لا إلى تجميد النمو فحسب، بل كذلك إلى تقليص الخدمات القائمة، ومن ثَم إلى تسليم مبكر لخدمات الأونروا إلى السلطات المضيفة