دور شهر رمضان في توحيد المسلمين.
إن المتأمل في طبيعة هذا الشهر الكريم، يَبِينُ له أنه يعين المسلمين على الاعتصام بحبل الله، ويدفعهم إلى اتخاذ الوسائل المشروعة، التي تجمع كلمتهم على الحق، وتقوي رابطتهم، وتحقق أخوتهم، وتجعلهم يتعاونون على البر والتقوى، كما يدعوهم إلى اجتناب كل وسيلة تحدث بينهم الفرقة والتنازع المؤدي إلى فشلهم وذهاب ريحهم.
ومما يعين المسلمين على الاجتماع والائتلاف، المظاهر الآتية:
المظهر الأول: اهتمام عامة المسلمين بدخول شهر رمضان وخروجه
إن المسلمين في كل أنحاء الأرض، يهتمون بدخول شهر رمضان، وخروجه حرصا منهم على عدم فوات يوم من أيامه، لذلك تجد كثيرا منهم يتطلعون إلى رؤية هلاله، في نهاية اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، وهلال شهر شوال في نهاية اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان، ويسأل بعضهم بعضا عن رؤيته.
وعلماء الفلك يجتهدون في الحساب الذي يثبتون به دخول الشهر وخروجه، بل تجد الحكومات في الشعوب الإسلامية، تهتم بذلك على أحد الوجهين، لتعلن لرعاياها دخول الشهر وخروجه....
وقد تداعى العلماء والمفكرون، بل وبعض حكومات الشعوب الإسلامية، إلى اتخاذ الأسباب التي توحد ابتداء الصيام ونهايته، وفي هذا الاهتمام الجماعي بدخول الشهر وخروجه، ما يدفع المسلمين، شعوبا وحكومات، إلى الاجتهاد في جمع كلمتهم وتعاونهم على مصالحهم.
المظهر الثاني: الاستبشار بدخول رمضان
إن المسلمين إذا ثبت عندهم دخول شهر رمضان، استبشروا بدخوله، ويسارع بعضهم بتهنئة بعض ويبشر بعضهم بعضا في القرى والمدن والحارات، في الدولة الواحدة، كما يهنئ بعضهم بعضا في كل الدول، ويتبادلون الدعوات، بأن يوفق الله الجميع لصيامه وقيامه، ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه وصائل الاتصال، وتطورت تطورا، يتيح للجميع التواصل السريع في كل أنحاء الأرض.
إن هذه العاطفة الجماعية التي يظهرها المسلمون بعضهم لبعض، أفرادا وأسرا وجماعات ودولا، بدخول شهر رمضان من أهم الحوافز للتفكير الجاد في اتخاذ أسباب اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله، للتعاون على تحقيق مصالحهم، ودفع المفاسد والمضار عن أمتهم.
المظهر الثالث: الاستعداد لصيامه كبارا وصغارا
فترى المسلمين في الأرض كلها، يستعدون في أول ليلة من ليالي الشهر، لصيام هذا الشهر الكريم، فرحين مسرورين، كبارا وصغارا، يحضر رجالهم ما تحتاج إليه الأسرة من مؤن، وتعد نساؤهم طعام السحور المناسب المتاح، ويطلب صغارهم من الآباء والإخوان والأخوات أن يوقظوهم ليشاركوا الكبار في السحور والصيام.
المظهر الرابع: الإفطار الجماعي المهيب.
وتراهم عند الإفطار يتجمعون في المنازل والمساجد وأماكن العمل، منتظرين غروب الشمس، يحضر كل منهم ما تيسر له من تمر وطعام وشراب، ويحاول كل منهم أن يفطر أخوه من طعامه، رغبة في الفوز بأجر من فطر صائما.
وإني عندما يتاح لي الإفطار في أحد المسجدين: "المسجد الحرام" و "مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم" ولهذا الأخير السبق، وأنظر إلى ذلك مظهر ذلك التجمع الإسلامي المهيب، الذي يتسابق فيه المسلمون بمد سفراتهم من بعد صلاة العصر، ويعين أهل كل سفرة، عددا من شبابهم، أو من أجرائهم، لمد السفرة وحراستها، وإعدادها، بالتمر والماء، واللبن وشيء من أنواع الخبز، والقهوة.
ثم يرسل صاحب كل سفرة أولاده الصغار، لدعوة الناس إلى حضور سفرته، فتجدهم يلحون على كل من يرونه يريد الدخول إلى المسجد، على أن يشارك في الإفطار معهم....
وتجد في ساحات المسجد الخارجية، من يحضر طعام العشاء الكافي للمحتاجين من الناس من الأرز واللحم وأنواع العصيرات.
وقبل أذان المغرب تجد المسجد كله، قد فرش بسفر الإفطار، والناس من كل أقطار الأرض، قد تحلقوا على تلك السفر، من البلدان الإسلامية، من إندونيسيا شرقا، إلى موريتانيا غربا، ومن عدن جنوبا إلى بلدان آسيا الوسطى شمالا، ومن غير البلدان الإسلامية، من الولايات المتحدة إلى اليابان، كلهم ينتظر رفع الأذان ليعبد الله يتناول طعامه، كما عبد الله بصيامه،منهم القارئ، ومنهم من يرفع يديه إلى السماء، يدعو الله بما يشاء.
ومع تلك الأعداد الهائلة التي امتلأ بها المسجد، تجد من الوقار والسكينة، ما قد يعز وجوده في أي تجمع آخر غير هذا التجمع الإسلامي العظيم.
المظهر الخامس: صفوف المصلين
هذه الصفوف التي تغص بها مساجد الله في هذا الشهر الكريم، الذي يحرص المسلمون فيه على ارتياد المساجد، في الصلوات الخمس، وفي صلاة التراويح التي تغص بها تلك المساجد، وبخاصة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، اللذين لا يكاد يجد من لم يأت إليهما مبكرا، موضع قدم يصلي فيه، حتى إن المصلي ليضطر أن يسجد على جسد مصلٍّ آخر، لشد الزحام، وهم أيضا قد تجمعوا من جميع أقطار الأرض.
وتراهم جميعا يصطفون وراء إمام واحد، يستمعون تلاوته كتاب الله، ويتبعونه في قيامه وقعوده، وركوعه وسجوده، لا يتقدمون عليه ولا يتأخرون، حتى يسلموا بسلامه.
إنك عندما تشاهد هؤلاء البشر الذين تجمعوا من مشارق الأرض ومغاربها، في هذه المساحة الضيقة المباركة، ولم يجمعهم هنا إلا هذا الدين العظيم، بمناسبة هذا الشهر الكريم، وكل واحد منهم مغتبط مسرور بوجوده بجنب أخيه المسلم الذي يبادله تلك الغبطة وذلك السرور، إنك عندما تشاهد ذلك، ليملأ قلبك الفرح والسرور، وتكاد تجزم أن هذه الأمة قابلة لتجتمع على كلمة الحق، وتتوحد على كلمة التوحيد، وتعود أمة واحدة، كما كانت في فترة طويلة من الزمن، وأنه لا ينقصها إلا من يرفع لها راية الاعتصام بحبل الله، لتقول له: لبيك يا داعي الحق والخير!
وتجزم كذلك بأن الذين تولوا كبر هذا التفرق والتصدع الذي حل بهذه الأمة، إنما هم قادتها الذين تولوا أمرها، من الحكام والعلماء والأعيان، ممن عندهم قدرة على اتخاذ أسباب وحدتهم وتعاونهم، وعلى البعد عن أسباب فرقتهم وتصدعهم، ثم آثروا الأخذ بأسباب الفرقة على أسباب الوحدة والاجتماع.
وإنك لتعجب من تنازع كثير من الجماعات الإسلامية، وعدم اتخاذ زعمائها الأسباب المؤدية إلى تعاونها والتنسيق بينها في نشاطاتها، بالعودة إلى توجيه كتاب ربها وسنة نبيها، لتحتكم إليهما فيما اختلفت فيه من الحق، ليتآخى أتباعها ويتعاونوا على البر والتقوى، ويقفوا صفا واحدا في جلب ما ينفع أمتهم، ودفع ما يضرها، كما يقفون كلهم صفا واحد وراء أئمتهم في الصلاة.
كما تعجب من افتخار حكومات الشعوب الإسلامية، الذي تدوي به أصوات المذيعين، وتنشره أقلام الكتاب والصحفيين، بكثرة أعلامهم التي تزيد عن خمسين علما، لأكثر من خمسين دولة، وتتجاور تلك الأعلام في كثير من المناسبات، وبخاصة اجتماعات دول منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تجمع زعماءهم كمرات التصوير، ويفرقهم عدم الاستجابة لما يحييهم به الله في كتابه المنير.
ومن هنا نرى أمتنا تتقاذفها قوى الشر والعدوان، وليس لها من دون الله إلى الله إلا الذل والهوان.
وإنا لنأمل في أن يكون لصيام شهر رمضان وقيامه، أثره الفعال في اتخاذ المسلمين، كل في موقعه الأسباب الجامعة لهم على كلمة الحق، والاجتهاد في ترك الأسباب التي تفرقهم وتصدع صفوفهم، فمن أهم حكم الصوم أنه يؤدي بالصائم الصادق إلى تقوى الله: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)).
--------------------------------------------------------------------------------
المجال السابع: بذل العون للمستحقين
بذل المال عبادة لله كإقامة الصلاة والصيام والحج والجهاد، وكلها تنقسم قسمين:
القسم الأول: فرض يجب القيام به، ويأثم تاركه...
ومن هذا القسم الزكاة، كما هو معلوم، ومنه نذر المسلم المشروع، بشيء من ماله، وإغاثة من لم يجد ما يأكله من الطعام، أو يلبسه من الثياب، أو يسكنه من المنزل...... لأن هذه الأمور من ضرورات حياة الإنسان أو حاجاته القريبة من الضرورة
وبذل المال لمستحقيه في شهر رمضان، فيه أجر عظيم، لأن الحسنات تضاعف في الأماكن والأوقات الفاضلة، كما هو الحال في المساجد الثلاثة، وشهر رمضان، والعشر من ذي الحجة...
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – مع كثرة جوده في كل الأوقات – أكثر جودا في شهر رمضان
كما في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" [البخاري رقم (6)]
وقد اعتاد كثير من أغنياء المسلمين أن يخرجوا زكاة أموالهم في هذا الشهر المبارك، وهي عادة حسنة مباركة...
وينبغي أن يعلم أن في المال حقا غير الزكاة، خلافا لمن قال: ليس فيه حق إلا الزكاة، مستدلين بحديثين:
الحديث الأول: ما ورد في قصة إسلام ضمام بن ثعلبة، الذي ذكر فيه بعض أركان الإسلام، وقوله "والله لا أزيد عليها ولا أنقص" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق) وهو في الصحيحين.
الحديث الثاني: ما روي عن فاطمة بنت قيس، أنها سمعته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم – يقول: (ليس في المال حق سوى الزكاة) [ابن ماجه رقم 1788]
ويجاب عن حديث ضمام رضي الله عنه، بجوابين:
الجواب الأول: أنه كان في أول الإسلام، قبل أن تفرض كثير من الفرائض، وتحرم كثير من المعاصي، وقد وجبت بعد ذلك أمور كثيرة، وحرمت أمور كذلك، فلو اقتصر المسلم على ما ذكر في حديث ضمام، لكان تاركا لكثير من الواجبات، ومرتكبا لكثير من المحرمات.
قال الشوكاني رحمه الله: "وفي جعل هذا الحديث دليلا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي، لأن ما وقع في مبادئ التعاليم، لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة، وأنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة.
فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردا صحيحا، ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما، وفي المسألة خلاف وهذا أرجح القولين. والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه، ويطيل التدبر، فإن معرفة الحق فيه من أهم المطالب العلمية، لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنها العد، وقد أعان الله وله الحمد، على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث" [نيل الأوطار(1/364)]
الجواب الثاني: ما ورد في بعض ألفاظ الحديث، "... فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق، أو أدخل الجنة إن صدق) البخاري رقم (6556)
قال الحافظ: "فإن قيل كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر، مع أنه لم يذكر المنهيات، أجاب بن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي، وهو عجيب منه، لأنه جزم بأن السائل ضمام، وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس، وقيل بعد ذلك، وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله فأخبره بشرائع الإسلام كما أشرنا إليه" [فتح الباري (1/108)]
أما حديث فاطمة بنت قيس، فيجاب عنه بثلاثة أجوابة:
الجواب الأول: أن الحديث رواه كثير من المحدثين، بعكس رواية ابن ماجه، ولفظه: عن فاطمة بنت قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في المال حقا سوى الزكاة) [وقد ترجم له الترمذي بقوله: "باب ما جاء أن المال حقا سوى الزكاة" وهو برقم (659)، ورواه الدارمي، برقم 1637، وهو في سنن البيهقي الكبرى، برقم 7034، وفي سنن الدارقطني، برقم 11]
الجواب الثاني: ما وقع في الحديث من الاضطراب، الموجب لضعفه، قال المناوي رحمه الله: "وقال الحافظ ابن حجر: "هذا حديث مضطرب المتن، والاضطراب موجب للضعف، وذلك لأن فاطمة روته بلفظ: (إن في المال حقا سوى الزكاة) فرواه عنها الترمذي هكذا، وروته بلفظ: (ليس في المال حق سوى الزكاة فرواه عنها ابن ماجه كذلك..." فيض القدير (5/375)
الجواب الثالث: حمل النفي على وجوب شيء في المال لذاته، كما هو الحال في الزكاة، فإنها واجبة في المال لذاته بشروطها، وحمل الإثبات على ما قد يعرض من الحاجة إلى إيجاب إخراج شيء من المال، كما قال المناوي أيضا:
(ليس في المال حق سوى الزكاة): "يعني ليس فيه حق سواها بطريق الأصالة، وقد يعرض ما يوجب فيه حقا، كوجود مضطر، فلا تناقض بينه وبين الخبر" [نفس المصدر، ونفس الجزء والصفحة]
وقال في موضع آخر: (إن في المال لحقا سوى الزكاة): "كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعدم منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترم أشرف على الهلاك" ونحو ذلك. قال عبد الحق: "فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها، فقول الضحاك: نسخت الزكاة كل حق مالي، ليس في محله، وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر، هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور" [فيض القدير (2/472)]
والنصوص الواردة في وجوب شيء في المال غير الزكاة، كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) [البخاري رقم (3140) ومسلم رقم (2242)]
فقد دل الحديث على أن هذه المرأة دخلت النار، لحبس الهرة، وعدم إطعامها وسقيها، ومعنى هذا أن إطعام الهرة – ومثلها بقية الحيوانات – واجب على من حبسها، والإطعام إنما يكون من مال الحابس، فثبت أن في المال حقا غير الزكاة.
وهو حق عارض، وليس بالأصالة.
ومنها حدبث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به) رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن.
وعن ابن عباس، أنه قال، وهو ينْحَل ابنَ الزبير: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه الطبراني وأبو يعلى، ورجاله ثقات. [مجمع الزوائد (8/167)]
ونفي الإيمان هنا لا يراد به الإيمان المندوب، وإنما يراد به الإيمان الواجب، الذي يأثم صاحبه، فدل الحديث على وجوب حق في المال غير الزكاة، عند الضرورة أو الحاجة.
ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه، مات على شعبة من نفاق). [ مسلم برقم1910]
هذا الحديث بظاهره لا دليل فيه على أن في المال حقا غير الزكاة، لأنه لم يذكر فيه المال، ولكن حديثا آخر، رواه أبو أمامة، رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (من لم يغز، ولم يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) [سنن الدارمي برقم (2418) وأبو داود برقم (2503)] يدل على أن من جهز غازيا، سلم من النفاق الذي ذكر في حديث أبي هريرة، ومعنى ذلك أنه تجهيز الغازي بالمال، أحد الواجبات على المسلم، وهي: أن يغزو، أو يحدث نفسه بالغزو، أو يخلف أهل الغازي بخير، أو يجهز غازيا، ليسلم من النفاق.
ولهذا المجال بقية .......
--------------------------------------------------------------------------------
إن المتأمل في طبيعة هذا الشهر الكريم، يَبِينُ له أنه يعين المسلمين على الاعتصام بحبل الله، ويدفعهم إلى اتخاذ الوسائل المشروعة، التي تجمع كلمتهم على الحق، وتقوي رابطتهم، وتحقق أخوتهم، وتجعلهم يتعاونون على البر والتقوى، كما يدعوهم إلى اجتناب كل وسيلة تحدث بينهم الفرقة والتنازع المؤدي إلى فشلهم وذهاب ريحهم.
ومما يعين المسلمين على الاجتماع والائتلاف، المظاهر الآتية:
المظهر الأول: اهتمام عامة المسلمين بدخول شهر رمضان وخروجه
إن المسلمين في كل أنحاء الأرض، يهتمون بدخول شهر رمضان، وخروجه حرصا منهم على عدم فوات يوم من أيامه، لذلك تجد كثيرا منهم يتطلعون إلى رؤية هلاله، في نهاية اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، وهلال شهر شوال في نهاية اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان، ويسأل بعضهم بعضا عن رؤيته.
وعلماء الفلك يجتهدون في الحساب الذي يثبتون به دخول الشهر وخروجه، بل تجد الحكومات في الشعوب الإسلامية، تهتم بذلك على أحد الوجهين، لتعلن لرعاياها دخول الشهر وخروجه....
وقد تداعى العلماء والمفكرون، بل وبعض حكومات الشعوب الإسلامية، إلى اتخاذ الأسباب التي توحد ابتداء الصيام ونهايته، وفي هذا الاهتمام الجماعي بدخول الشهر وخروجه، ما يدفع المسلمين، شعوبا وحكومات، إلى الاجتهاد في جمع كلمتهم وتعاونهم على مصالحهم.
المظهر الثاني: الاستبشار بدخول رمضان
إن المسلمين إذا ثبت عندهم دخول شهر رمضان، استبشروا بدخوله، ويسارع بعضهم بتهنئة بعض ويبشر بعضهم بعضا في القرى والمدن والحارات، في الدولة الواحدة، كما يهنئ بعضهم بعضا في كل الدول، ويتبادلون الدعوات، بأن يوفق الله الجميع لصيامه وقيامه، ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه وصائل الاتصال، وتطورت تطورا، يتيح للجميع التواصل السريع في كل أنحاء الأرض.
إن هذه العاطفة الجماعية التي يظهرها المسلمون بعضهم لبعض، أفرادا وأسرا وجماعات ودولا، بدخول شهر رمضان من أهم الحوافز للتفكير الجاد في اتخاذ أسباب اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله، للتعاون على تحقيق مصالحهم، ودفع المفاسد والمضار عن أمتهم.
المظهر الثالث: الاستعداد لصيامه كبارا وصغارا
فترى المسلمين في الأرض كلها، يستعدون في أول ليلة من ليالي الشهر، لصيام هذا الشهر الكريم، فرحين مسرورين، كبارا وصغارا، يحضر رجالهم ما تحتاج إليه الأسرة من مؤن، وتعد نساؤهم طعام السحور المناسب المتاح، ويطلب صغارهم من الآباء والإخوان والأخوات أن يوقظوهم ليشاركوا الكبار في السحور والصيام.
المظهر الرابع: الإفطار الجماعي المهيب.
وتراهم عند الإفطار يتجمعون في المنازل والمساجد وأماكن العمل، منتظرين غروب الشمس، يحضر كل منهم ما تيسر له من تمر وطعام وشراب، ويحاول كل منهم أن يفطر أخوه من طعامه، رغبة في الفوز بأجر من فطر صائما.
وإني عندما يتاح لي الإفطار في أحد المسجدين: "المسجد الحرام" و "مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم" ولهذا الأخير السبق، وأنظر إلى ذلك مظهر ذلك التجمع الإسلامي المهيب، الذي يتسابق فيه المسلمون بمد سفراتهم من بعد صلاة العصر، ويعين أهل كل سفرة، عددا من شبابهم، أو من أجرائهم، لمد السفرة وحراستها، وإعدادها، بالتمر والماء، واللبن وشيء من أنواع الخبز، والقهوة.
ثم يرسل صاحب كل سفرة أولاده الصغار، لدعوة الناس إلى حضور سفرته، فتجدهم يلحون على كل من يرونه يريد الدخول إلى المسجد، على أن يشارك في الإفطار معهم....
وتجد في ساحات المسجد الخارجية، من يحضر طعام العشاء الكافي للمحتاجين من الناس من الأرز واللحم وأنواع العصيرات.
وقبل أذان المغرب تجد المسجد كله، قد فرش بسفر الإفطار، والناس من كل أقطار الأرض، قد تحلقوا على تلك السفر، من البلدان الإسلامية، من إندونيسيا شرقا، إلى موريتانيا غربا، ومن عدن جنوبا إلى بلدان آسيا الوسطى شمالا، ومن غير البلدان الإسلامية، من الولايات المتحدة إلى اليابان، كلهم ينتظر رفع الأذان ليعبد الله يتناول طعامه، كما عبد الله بصيامه،منهم القارئ، ومنهم من يرفع يديه إلى السماء، يدعو الله بما يشاء.
ومع تلك الأعداد الهائلة التي امتلأ بها المسجد، تجد من الوقار والسكينة، ما قد يعز وجوده في أي تجمع آخر غير هذا التجمع الإسلامي العظيم.
المظهر الخامس: صفوف المصلين
هذه الصفوف التي تغص بها مساجد الله في هذا الشهر الكريم، الذي يحرص المسلمون فيه على ارتياد المساجد، في الصلوات الخمس، وفي صلاة التراويح التي تغص بها تلك المساجد، وبخاصة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، اللذين لا يكاد يجد من لم يأت إليهما مبكرا، موضع قدم يصلي فيه، حتى إن المصلي ليضطر أن يسجد على جسد مصلٍّ آخر، لشد الزحام، وهم أيضا قد تجمعوا من جميع أقطار الأرض.
وتراهم جميعا يصطفون وراء إمام واحد، يستمعون تلاوته كتاب الله، ويتبعونه في قيامه وقعوده، وركوعه وسجوده، لا يتقدمون عليه ولا يتأخرون، حتى يسلموا بسلامه.
إنك عندما تشاهد هؤلاء البشر الذين تجمعوا من مشارق الأرض ومغاربها، في هذه المساحة الضيقة المباركة، ولم يجمعهم هنا إلا هذا الدين العظيم، بمناسبة هذا الشهر الكريم، وكل واحد منهم مغتبط مسرور بوجوده بجنب أخيه المسلم الذي يبادله تلك الغبطة وذلك السرور، إنك عندما تشاهد ذلك، ليملأ قلبك الفرح والسرور، وتكاد تجزم أن هذه الأمة قابلة لتجتمع على كلمة الحق، وتتوحد على كلمة التوحيد، وتعود أمة واحدة، كما كانت في فترة طويلة من الزمن، وأنه لا ينقصها إلا من يرفع لها راية الاعتصام بحبل الله، لتقول له: لبيك يا داعي الحق والخير!
وتجزم كذلك بأن الذين تولوا كبر هذا التفرق والتصدع الذي حل بهذه الأمة، إنما هم قادتها الذين تولوا أمرها، من الحكام والعلماء والأعيان، ممن عندهم قدرة على اتخاذ أسباب وحدتهم وتعاونهم، وعلى البعد عن أسباب فرقتهم وتصدعهم، ثم آثروا الأخذ بأسباب الفرقة على أسباب الوحدة والاجتماع.
وإنك لتعجب من تنازع كثير من الجماعات الإسلامية، وعدم اتخاذ زعمائها الأسباب المؤدية إلى تعاونها والتنسيق بينها في نشاطاتها، بالعودة إلى توجيه كتاب ربها وسنة نبيها، لتحتكم إليهما فيما اختلفت فيه من الحق، ليتآخى أتباعها ويتعاونوا على البر والتقوى، ويقفوا صفا واحدا في جلب ما ينفع أمتهم، ودفع ما يضرها، كما يقفون كلهم صفا واحد وراء أئمتهم في الصلاة.
كما تعجب من افتخار حكومات الشعوب الإسلامية، الذي تدوي به أصوات المذيعين، وتنشره أقلام الكتاب والصحفيين، بكثرة أعلامهم التي تزيد عن خمسين علما، لأكثر من خمسين دولة، وتتجاور تلك الأعلام في كثير من المناسبات، وبخاصة اجتماعات دول منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تجمع زعماءهم كمرات التصوير، ويفرقهم عدم الاستجابة لما يحييهم به الله في كتابه المنير.
ومن هنا نرى أمتنا تتقاذفها قوى الشر والعدوان، وليس لها من دون الله إلى الله إلا الذل والهوان.
وإنا لنأمل في أن يكون لصيام شهر رمضان وقيامه، أثره الفعال في اتخاذ المسلمين، كل في موقعه الأسباب الجامعة لهم على كلمة الحق، والاجتهاد في ترك الأسباب التي تفرقهم وتصدع صفوفهم، فمن أهم حكم الصوم أنه يؤدي بالصائم الصادق إلى تقوى الله: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)).
--------------------------------------------------------------------------------
المجال السابع: بذل العون للمستحقين
بذل المال عبادة لله كإقامة الصلاة والصيام والحج والجهاد، وكلها تنقسم قسمين:
القسم الأول: فرض يجب القيام به، ويأثم تاركه...
ومن هذا القسم الزكاة، كما هو معلوم، ومنه نذر المسلم المشروع، بشيء من ماله، وإغاثة من لم يجد ما يأكله من الطعام، أو يلبسه من الثياب، أو يسكنه من المنزل...... لأن هذه الأمور من ضرورات حياة الإنسان أو حاجاته القريبة من الضرورة
وبذل المال لمستحقيه في شهر رمضان، فيه أجر عظيم، لأن الحسنات تضاعف في الأماكن والأوقات الفاضلة، كما هو الحال في المساجد الثلاثة، وشهر رمضان، والعشر من ذي الحجة...
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – مع كثرة جوده في كل الأوقات – أكثر جودا في شهر رمضان
كما في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" [البخاري رقم (6)]
وقد اعتاد كثير من أغنياء المسلمين أن يخرجوا زكاة أموالهم في هذا الشهر المبارك، وهي عادة حسنة مباركة...
وينبغي أن يعلم أن في المال حقا غير الزكاة، خلافا لمن قال: ليس فيه حق إلا الزكاة، مستدلين بحديثين:
الحديث الأول: ما ورد في قصة إسلام ضمام بن ثعلبة، الذي ذكر فيه بعض أركان الإسلام، وقوله "والله لا أزيد عليها ولا أنقص" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق) وهو في الصحيحين.
الحديث الثاني: ما روي عن فاطمة بنت قيس، أنها سمعته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم – يقول: (ليس في المال حق سوى الزكاة) [ابن ماجه رقم 1788]
ويجاب عن حديث ضمام رضي الله عنه، بجوابين:
الجواب الأول: أنه كان في أول الإسلام، قبل أن تفرض كثير من الفرائض، وتحرم كثير من المعاصي، وقد وجبت بعد ذلك أمور كثيرة، وحرمت أمور كذلك، فلو اقتصر المسلم على ما ذكر في حديث ضمام، لكان تاركا لكثير من الواجبات، ومرتكبا لكثير من المحرمات.
قال الشوكاني رحمه الله: "وفي جعل هذا الحديث دليلا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي، لأن ما وقع في مبادئ التعاليم، لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة، وأنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة.
فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردا صحيحا، ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما، وفي المسألة خلاف وهذا أرجح القولين. والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه، ويطيل التدبر، فإن معرفة الحق فيه من أهم المطالب العلمية، لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنها العد، وقد أعان الله وله الحمد، على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث" [نيل الأوطار(1/364)]
الجواب الثاني: ما ورد في بعض ألفاظ الحديث، "... فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق، أو أدخل الجنة إن صدق) البخاري رقم (6556)
قال الحافظ: "فإن قيل كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر، مع أنه لم يذكر المنهيات، أجاب بن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي، وهو عجيب منه، لأنه جزم بأن السائل ضمام، وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس، وقيل بعد ذلك، وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله فأخبره بشرائع الإسلام كما أشرنا إليه" [فتح الباري (1/108)]
أما حديث فاطمة بنت قيس، فيجاب عنه بثلاثة أجوابة:
الجواب الأول: أن الحديث رواه كثير من المحدثين، بعكس رواية ابن ماجه، ولفظه: عن فاطمة بنت قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في المال حقا سوى الزكاة) [وقد ترجم له الترمذي بقوله: "باب ما جاء أن المال حقا سوى الزكاة" وهو برقم (659)، ورواه الدارمي، برقم 1637، وهو في سنن البيهقي الكبرى، برقم 7034، وفي سنن الدارقطني، برقم 11]
الجواب الثاني: ما وقع في الحديث من الاضطراب، الموجب لضعفه، قال المناوي رحمه الله: "وقال الحافظ ابن حجر: "هذا حديث مضطرب المتن، والاضطراب موجب للضعف، وذلك لأن فاطمة روته بلفظ: (إن في المال حقا سوى الزكاة) فرواه عنها الترمذي هكذا، وروته بلفظ: (ليس في المال حق سوى الزكاة فرواه عنها ابن ماجه كذلك..." فيض القدير (5/375)
الجواب الثالث: حمل النفي على وجوب شيء في المال لذاته، كما هو الحال في الزكاة، فإنها واجبة في المال لذاته بشروطها، وحمل الإثبات على ما قد يعرض من الحاجة إلى إيجاب إخراج شيء من المال، كما قال المناوي أيضا:
(ليس في المال حق سوى الزكاة): "يعني ليس فيه حق سواها بطريق الأصالة، وقد يعرض ما يوجب فيه حقا، كوجود مضطر، فلا تناقض بينه وبين الخبر" [نفس المصدر، ونفس الجزء والصفحة]
وقال في موضع آخر: (إن في المال لحقا سوى الزكاة): "كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعدم منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترم أشرف على الهلاك" ونحو ذلك. قال عبد الحق: "فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها، فقول الضحاك: نسخت الزكاة كل حق مالي، ليس في محله، وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر، هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور" [فيض القدير (2/472)]
والنصوص الواردة في وجوب شيء في المال غير الزكاة، كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) [البخاري رقم (3140) ومسلم رقم (2242)]
فقد دل الحديث على أن هذه المرأة دخلت النار، لحبس الهرة، وعدم إطعامها وسقيها، ومعنى هذا أن إطعام الهرة – ومثلها بقية الحيوانات – واجب على من حبسها، والإطعام إنما يكون من مال الحابس، فثبت أن في المال حقا غير الزكاة.
وهو حق عارض، وليس بالأصالة.
ومنها حدبث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به) رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن.
وعن ابن عباس، أنه قال، وهو ينْحَل ابنَ الزبير: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه الطبراني وأبو يعلى، ورجاله ثقات. [مجمع الزوائد (8/167)]
ونفي الإيمان هنا لا يراد به الإيمان المندوب، وإنما يراد به الإيمان الواجب، الذي يأثم صاحبه، فدل الحديث على وجوب حق في المال غير الزكاة، عند الضرورة أو الحاجة.
ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه، مات على شعبة من نفاق). [ مسلم برقم1910]
هذا الحديث بظاهره لا دليل فيه على أن في المال حقا غير الزكاة، لأنه لم يذكر فيه المال، ولكن حديثا آخر، رواه أبو أمامة، رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (من لم يغز، ولم يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) [سنن الدارمي برقم (2418) وأبو داود برقم (2503)] يدل على أن من جهز غازيا، سلم من النفاق الذي ذكر في حديث أبي هريرة، ومعنى ذلك أنه تجهيز الغازي بالمال، أحد الواجبات على المسلم، وهي: أن يغزو، أو يحدث نفسه بالغزو، أو يخلف أهل الغازي بخير، أو يجهز غازيا، ليسلم من النفاق.
ولهذا المجال بقية .......
--------------------------------------------------------------------------------