رغم الحصار... لاجئو غزة يتمسكون بحق العودة
"مهما تطول سنوات الظلم والمعاناة فإن يوم العودة قادم لا محالة.. وشمس عودتي لقريتي "بيسان" التي هجرت منها قسراً ستشرق.. أنا أثق بذلك طالما في الحياة متسع".. عبارة ما فتئ الحاج الكهل ربحي خضير ( 73 عاماً) يصر عليها ويرددها بنبرة يغلبها الحنين والإصرار على العودة بعد ستين عاماً على النكبة والتهجير.
ويشدد الحاج خضير المعروف بأبي سفيان، ويقطن في مخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة، على حتمية العودة وأن أرض والده التي تركها طفلاً صغيراً ستحضنه يوماً ما حتى لو كان جثة هامدة.
في منزله القديم الذي يشير إلى هويته كلاجئ يحكي أبو سفيان يومياً لأبنائه وأحفاده الرحيل الذي تسبب في مأساتهم ولجوئهم وترك أراضيهم التي كانوا يعيشون فيها طوال هذه السنين، عندما هاجمت العصابات الصهيونية القرى والمدن الفلسطينية عام 1948.
ودلالة على عدم تنازله عن حقه في العودة يحتفظ أبو سفيان الذي يعتمر الكوفية البيضاء "العقال" ببندقية والده، الإنجليزية ومستندات وأوراق رسمية لأملاك عائلته، حرص على حملها على أمل العودة إلى قريته يوما ما.
"هذا ما ورثناه وسنورثه لأبنائنا.." يقول المسن وهو يشير بيديه اللتين أضعفهما الزمن وأيبستهما سنين المعاناة، إلى مستندات الأرض وبندقية والده القديمة.
ويتابع بنبرات متقطعة "بيسان بانتظارنا ونحن لم ولن نتنازل عنها"..
ويشير حديث أبو سفيان الدائم عن "بيسان" كم هي روحه متعلقة بقريته التي تقع إلى الجنوب من بحيرة طبريا وتبعد عنها 35 كم، وكانت واحدة من عشرات القرى التي هدمتها العصابات الصهيونية عام 48 وشرد أهلها ليبني على أراضيها المسلوبة مدينة يهودية (بيت شعان).
هناك في قريته الصغيرة ولد وعاش طفولته التي يعتبرها أجمل أيامه، حيث ترعرع فوق التل والسهل والجبل، بجانب الوادي والخضرة والشجر.
يقول وهو يشير بإصبعه في السماء رامزاً إلى قريته، التي بدت وكأنها بجانبه لا تبعد آلاف الأميال: " 60 عاماً ولازالت بيسان في قلبي ووجداني، توحي لي بأحلامي وأماني عمري، بشوارعها وبساطة أهلها وترابطهم".
ويتذكر أبو سفيان جيداً كيف كان أهله وسكان قريته من عرب ويهود يعيشون في أمان وترابط حتى حلت "ساعة النكبة السوداء" ليتحول إلى لاجئ يعيش على وقع الحلم الذي لم يحن بعد في العودة.
لكنه، وبعد مرور هذه السنوات الطويلة على الهجرة، لا زال يحتفظ بدقائق أحداثها خاصة عندما يتعلق بفقدانه عدد من أقاربه ثم رحيله عن قريته.
يقول: "كانت حرباً علينا وعلى قريتنا حينها أجبرونا على الرحيل دون أن ندري أن الوقت سيطول بنا".
ويتابع بأسى وحزن: " سكنا في البداية في خيام في مساحة واسعة وخالية ثم انتقلنا إلى منزل صغير أقامته وكالة الغوث (الأونروا) في مخيم الشاطئ.. مرت الأيام بنا بانتظار العودة لكنا وجدنا أنفسنا نعيش الواقع فنشيد منازل جديدة بعيداً عن قريتنا إلا أن كل ذلك لم ينل من حلم عودتنا".
ويتوزع نحو مليون لاجئ فلسطيني يشكلون ثلثي سكان قطاع غزة، على ثمانية مخيمات فقيرة أقامتها (الأونروا) في أواخر أربعينيات القرن الماضي ومنذ ذلك الحين يعتمد هؤلاء اللاجئون بشكل كبير على المساعدات الدولية خصوصا من المنظمة الدولية.
ويتزامن إحياء هؤلاء الذكرى الستين للنكبة بمعاناتهم في مخيمات غزة الفقيرة من حصار إسرائيلي مشدد يحرمهم من قوت يومهم ويسلبهم مجدداً حريتهم التي تبقي مطمحاً بعيد المنال منذ النكبة.
ويعلق أبو سفيان على هذا الحصار قائلاً:" هو استمرار لنكبتنا التي أرادوا فيها محو وجودنا فلم يتمكنوا حتى واصلوا حربهم لكسر عزيمتنا لكنهم أيضاً لن يتمكنوا فالحصار إلى زوال كما النكبة إلى زوال حينما ستتحول يوماً ما إلى عودة ".