صيف فلسطين بلا ماء.. وغزة مركز الكارثة
لدى السيدة رضية ريحان "أم حمزة" سبعة أبناء وتعيش مع زوجها وزوجين مستأجرين لديهم في بيت من طابقين بقرية تل جنوب غرب مدينة نابلس بالضفة الغربية دون مياه متوفرة بصورة مستمرة، حيث تفتقد القرية تماماً لشبكة مياه قطرية، رغم أن شريحة واسعة من سكانها البالغ عددهم نحو 3500 نسمة يعملون في الزراعة وتربية المواشي والأبقار.
تقول رضية للشبكة الإعلامية الفلسطينية: "إن الصيف بالنسبة لعائلتها يعني العودة للمعاناة من جديد، حيث تضطر لشراء خزان مياه "تانك" كل أسبوع بمبلغ 50 شيكل أي بإجمالي 200 شيكل شهرياً في الأحوال العادية".
وتوضح أنه ورغم توفر بئر لجمع مياه الأمطار في منزلها، إلا أن انخفاض كميات الأمطار التي هطلت هذا العام لم يتح للبئر أن يمتلئ، ولأول مرة منذ سنوات طويلة تضطر العائلة للبدء في شراء خزانات المياه منذ شهر آذار/ مارس، بعد أن اعتادت بدء شرائها في أيار/ مايو من كل عام.
وتتوسع هذه التعقيدات، عند العلم أن المياه التي يتم شرائها "بدمع القلب" كما تقول أم حمزة، ليست بالنوعية والجودة المطلوبة، بل يعتقد أنها ملوثة، مما يدفع مئات الأسر في قرية تل إلى شراء مواد معقمة خاصة لتعقيم المياه قبل استخدامها، الأمر الذي يزيد من الأعباء المادية المتهالكة أصلا.
وفي وقت ترتفع فيه تحذيرا الخبراء والمختصين بقضايا المياه من أن الفلسطينيين سيواجهون هذا العام صيفا قائظا ربما يصل حد العطش بسبب توعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي بخفض كميات المياه للفلسطينيين، تشتد مخاوف أم حمزة التي تلتقي أزمة المياه العامة مع أزمتها الخاصة والمتمثلة في مرض زوجها وتوقفه عن العمل، مع وجود اثنتين من بناتها على مقاعد الدراسة الجامعية ودون دخل أساسي لأسرتها.
من جانبه، حذر الدكتور أيمن الرابي المدير التنفيذي لمجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين والخبير في مجال المياه، من أن الفلسطينيين سيواجهون هذا الصيف أزمة مياه خطيرة أكثر من أي دولة أخرى سواء في منطقة حوض البحر المتوسط أو حتى في أنحاء العالم.
ولا ينحصر سبب هذه الأزمة الخطيرة -حسب الرابي- في عدم كفاية كميات المياه السطحية أو الجوفية، وإنما بسبب الإجراءات الإسرائيلية الصارمة التي تحد من توصيل المياه بكمية ونوعية مناسبة للجانب الفلسطيني.
ويقول الرابي للشبكة الإعلامية الفلسطينية: "إن فلسطين تواجه اليوم أخطر أزمة مياه منذ فترة طويلة جدا مما ينذر بالجفاف بفعل قلة الموارد المائية الموجودة، حيث لم تتجاوز كمية الأمطار التي هطلت على فلسطين 60-62% من المعدل العام مما يهدد بموسم سيء على كافة الأصعدة سواء فيما يتعلق بكميات المياه الجوفية أو السطحية أو الوضع الزراعي العام".
ويترتب على ذلك تناقص كميات المياه التي يحصل عليها الفلسطينيون، في ظل التوقعات بتخفيض كميات المياه التي يقوم الاحتلال الإسرائيلي ببيعها للفلسطينيين وخاصة في المناطق الريفية النائية.
55% من المياه من الاحتلال
ويوضح الخبير الرابي أن ما يشتريه الفلسطينيون من الاحتلال الإسرائيلي عبر شركة المياه الإسرائيلية ميكروت، يعادل نحو 55% مما يستهلكه الفلسطينيون فعليا. في حين يتم إنتاج 45% الباقية من مصادر ذاتية تتمثل في الينابيع والآبار الجوفية، ونتيجة الجفاف الحاصل يتوقع انخفاض كميات المياه من المصادر الذاتية.
وتختصر مشكلة الفلسطينيين في المياه في شقين أساسيين، حيث يتمثل الأول في الجفاف الناجم عن الظروف الطبيعية وتناقص معدلات الأمطار، في حين ينحصر الشق الثاني في تخفيض الاحتلال الإسرائيلي لكميات المياه التي تباع للفلسطينيين.
وحسب مصادر جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين فإن محافظة رام الله والبيرة على سبيل المثال تشتري 40% من كمية المياه التي تستهلكها من الإسرائيليين. وفي ظل التعقيدات المتوقعة فإن الصيف المقبل سيشهد نقصا حادا في هذه الكمية وتدهورا في النوعية لأن التزويد عادة يكون متقطع كل عدة أيام، الأمر الذي يسمح بتسرب ملوثات إلى داخل الشبكة، مما ينتج مضاعفات صحية خطيرة.
40% من دخل الأسرة للمياه
وتبدو السيدة ريحان، واحدة من شريحة واسعة تصل نسبتها بين 20-25% من التجمعات الفلسطينية التي تفتقد إلى شبكة مياه دائمة، وتضطر إلى شراء المياه بمبالغ ضخمة تصل إلى 40 % من دخل الأسرة بالمقارنة مع 5% فقط من دخل الأسر في باقي أنحاء العالم.
ويفصل د. الرابي ذلك بالقول: "إن أهم التعقيدات الناجمة عن الإجراءات الإسرائيلية تتمثل في تسبب الاغلاقات والحواجز المنتشرة في الضفة الغربية في ارتفاع أسعار المياه التي تنقل إلى 20- 25% من التجمعات الفلسطينية غير الموصولة بشبكة مياه قطرية وتعتمد بشكل أساسي على تجميع مياه الأمطار بالدرجة الأولى ومن ثم على شراء المياه عبر خزانات منقولة من مصادر مياه قريبة".
ويؤدي نقل المياه بواسطة خزانات عبر الحواجز إلى اضطرار السائقين لسلوك طرق جبلية وعرة، وبالتالي مضاعفة سعر كوب المتر المكعب الواحد من المياه، وحسب المصادر وصل سعر المتر المكعب الواحد إلى 30 شيكل وهذا أعلى ثمن للمياه قي العالم.
الكارثة.. تتجلى في غزة
أما فيما يتعلق بوضع المياه داخل قطاع غزة، فيصف الرابي الوضع هناك بالسيئ جداً ويصل إلى حد الكارثة، لأن عدم توفر الوقود الكافي لتشغيل كهرباء المضخات بشكل مستمر يؤثر مباشرة على كميات المياه التي تزود لسكان القطاع.
وبالإضافة إلى ذلك يؤدي نقص الوقود إلى توقف عمل مضخات المياه العادمة، وتشير التقارير الواردة من هناك إلى أن انتشار المياه العادمة في الشوارع والمناطق الطبيعية سيؤدي إلى تسريبها إلى الحوض الجوفي وتلوثها كليا مما ينذر بأمراض عديدة قد تظهر بين السكان.
وفي موضوع المقارنة بين حصة الفرد الفلسطيني من المياه، مقابل ما يحصل عليه المستوطن الإسرائيلي يوميا، فيوضح الرابي أن معدل حصة الفرد الفلسطيني من المياه نظراً لتناقص الكميات التي يحصلها الفلسطينيون من الاحتلال الإسرائيلي لا تتجاوز في أوجها 50 لتر في اليوم، بينما تقل في بعض التجمعات لتصل إلى 30 لتر للفرد يوميا.
وتتضح الصورة بشكل أقسى في 10% من التجمعات الفلسطينية حيث يعيش الفرد فيها بأقل من 10 لتر في اليوم وهذه أقل كمية يمكن الحديث عنها عالميا فيما يتعلق بحصة الفرد من المياه يوميا.
وإذا قورنت هذه النسب مع الاحتلال الإسرائيلي، نجد أن كمية المياه المخصصة للمستوطن الواحد تصل إلى 200 لتر يوميا وفي بعض الإحصائيات تشير إلى 300 لتر في اليوم، بينما ترتفع هذه الحصة في المستعمرات إلى 350-400 لتر للفرد في اليوم.
المستعمرات ونهب المياه
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية تستهلك ما مجموعه 40 مليون لتر مكعب للزراعة وحوالي 20 مليون للشرب أو الاستخدام الآدمي، وهذه تقدر بنحو 50% مما يستهلكه الفلسطينيون عموما.
ويتحدث الخبراء في جمعية الهيدلوروجيين عن أن التعقيدات الإسرائيلية لم تقتصر فقط على تخفيض كميات المياه التي تباع للفلسطينيين، وإنما تمتد إلى القيود التي فرضها الاحتلال على استهلاك أو تطوير المياه في المحافظات الفلسطينية أو حتى المشاركة في إدارة مصادر المياه، منذ العام 67 بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.
وهذه القيود خلقت نوعا من الفجوة بين كميات استهلاك المياه المتوفرة وبين حاجة الشعب الفلسطيني التي تقدر بـ 400 مليون متر مكعب من المياه سنويا، بينما يحصل الفلسطينيون فقط على 130-140 مليون متر مكعب أي يدور الحديث عن عجز بمقدار 260 مليون متر مكعب
ورغم الحديث الإسرائيلي عن أهمية أن يبحث الفلسطينيون لأنفسهم عن مصادر مياه بديلة، فمن المتوقع، وعند إتمام بناء جدار الفصل العنصري، أن يصادر الاحتلال ما مجموعه 1100 كيلو متر مربع من مساحة الحوض الغربي بالضفة الغربية.
ويشكل هذا الحوض أهم مصادر المياه الجوفية من حيث كمية المياه المتجددة سنويا والتي تصل إلى 362 متر مكعب. وتقع 60% من هذا الحوض داخل الضفة الغربية. وبعد بناء الجدار سيسمح للفلسطينيين بالسيطرة على 15-20% فقط من مساحة الحوض، الأمر الذين يتسبب في كارثة فلسطينية مائية إذا ما اعتمد الجدار حدودا للدولة الفلسطينية "الموعودة"!.